العالم كل يوم في تطور وتجدد؛ ولذلك فإنه يحتاج إلى فكر يتماشى مع هذا التجدد والتطور. وقد صنع البشر الكثير من الأنظمة الاجتماعية المادية وفق حاجاتهم المادية المؤقتة، ولكن سرعان ما كانت تفقد هذه النظم قدرتها على تلبية احتياجات المجتمعات. وقد يقارن الكثير منا النظام الإسلامي بهذه النظم، ولكن النظام الإسلامي مختلف تمامًا عن هذه الأنظمة، فهو صالح لكل زمان ومكان، وهذا ما أبدع في بيانه الأستاذ (سيد قطب) في هذا الكتاب.
عندما نتحدث عن النظام الاجتماعي الإسلامي، فنحن لا نتحدث عن نظام تاريخي عاش في الماضي، وأصبح أحد ذكريات التاريخ، وإنما نتحدث عن نظام حي، ونشاهد صوره وأوضاعه كما يمكن أن يكون الآن أو في المستقبل. ونحن لا نتحدث عن هذا النظام بوصفه نظامًا محليًا، في حدود ما يُعْرَفُ اليوم باسم "العالم الإسلامي"، إنما نتحدث عنه بوصفه نظامًا عالميًا، يمكن أن تتجه البشرية كلها إليه، بحكم أنه النظام الوحيد الذي يستطيع أن يلبِّي حاجات البشرية، في حدود أوسع من كل نظام عرفته الإنسانية حتى اللحظة؛ فعلى ضوء التجارب الإنسانية السابقة، فإن كل حضارة تعيش بمقدار ما تعطي للبشرية من رصيد في إدراك الحياة، وبمقدار ما يسمح هذا الرصيد للحياة بالامتداد والنمو والتَّرَقِّي.
ولقد كانت مطالب الثورة الفرنسية: "الحرية والإخاء والمساواة "، هي آخر ما أثمرته حضارة الرجل الأبيض في الغرب، ولم يثمر بعد ذلك شيئًا ذا قيمة في عالم المبادئ والمُثُل والأفكار. ولقد أدت مبادئ الثورة الفرنسية دورها في العالم الغربي وانتهت إلى غاياتها التي كانت تعنيها، ولقد كانت هذه الغايات محدودة بفترة معينة من الزمن، فلم تعد تلبي حاجات البشرية اليوم. وكان مفهوم كلمة (الحرية الشخصية ) في كل ميدان من ميادين الحياة، وكان هذا المفهوم يلبي حاجة (أوروبا ) في ذلك العصر؛ لأنه ينقذ الفرد من تحكُّم الكنيسة في حياته الروحية، ومن تحكُّم الأشراف في حياته العملية، ومن تحكُّم الدولة في حرياته القانونية. وشيئًا فشيئًا، أخذت الحرية المطلقة للأفراد تؤذي المجتمع، وبعد ذلك تبين أن الحرية الفردية أصبحت وهمًا لا حقيقة له في عالم الواقع.
وكان المراد بكلمة المساواة في الثورة الفرنسية هو المساواة في الحقوق السياسية والحقوق القانونية، ولكن شيئًا فشيئًا اتضح أن هذه المساواة القانونية لا يمكن تحقيقها في عالم مادي. أما عنصر الإخاء فلم يكن له يومًا ما حقيقيًا في العالم الغربي؛ لأنه يحتاج في تحقيقه إلى عنصر آخر غير المادة، يحتاج إلى روح وإلى ضمير، وبذلك ظل مبدأ الإخاء منذ اليوم الأول مسألة نظرية تقال في الخطب، وتكتب في الصحف والكتب، ولكنه عمليًا بعيدٌ عن واقع الحياة. ثم عجزت (أوروبا ) و (أمريكا) أن تعطي الناس شيئًا جديدًا في هذا الحقل، فاتجهوا إلى الحقل المادي الصناعي؛ يبدعون فيه كل يوم. ولكن البشرية لا تستطيع أن تعيش طويلًا على إنتاج المصانع وحده، إنما هي في حاجة دائمة إلى مبادئ وأفكار جديدة، تسمح لها بالنمو والتحول والترقي في حدود المبادئ. وقد قررت الحضارة الأوروبية أن تقتصر على إنتاج المصانع، أما في حقل المبادئ فإنها ظلت تطبق مبادئ الثورة الفرنسية التي فقدت معانيها.
عندما فقدت مبادئ الثورة الفرنسية معانيها، برزت الفكرة الشيوعية أو فكرة (التفسير المادي للتاريخ )؛ لأنها تحتل في عالم المبادئ مساحة أوسع من المساحة التي انتهت إليها مبادئ الثورة الفرنسية في العالم الغربي، وتشغل الجماعات الإنسانية بهدف أكبر من الهدف الفردي المحدود، هذا الهدف هو سيادة طبقة العمال، وذلك يعد حلمًا لم تعد الحضارة الغربية تحتوي على مثله بعد الثورة الفرنسية؛ وهذا يفسر الاندفاع العنيف في صفوف الأوروبيين إلى الشيوعية. والشيوعية هي التطور الطبيعي للفكرة المادية عن الحياة، وهي الفكرة التي اعتنقها العالم الغربي منذ قيام حضارته.
والاختلاف بين فكرة الشيوعية والأفكار السائدة في الغرب ليس اختلافًا في طبيعة التنظيم؛ فالفكرة المادية عن الحياة واحدة، ولكن الفرق هو بين حرية الاستثمار المطلقة في (أمريكا) والمقيَّدة في (إنجلترا)، وبين مِلْكية الدولة لكل شيء، وانعدام حرية الاستثمار في (روسيا). ومع ذلك فإن سيادة طبقة العمال ظلّت حلمًا لم يتحقق، حتى في (روسيا) نفسها، وأصبحت الملكية العامة إلى الدولة بدلًا من العمال. أما طبقة العمال فلا تملك سلطة، ولا تملك شيئًا. والدليل على أن الغرب إنما تسحرهم الشيوعية بهذا الحلم لكنها ما تحقق للأفراد من منفعة ذاتية، هو أن الذين يعتنقون الشيوعية في (أمريكا) ليسوا في الغالب من طبقة العمال الفقراء، وإنما هم من المثقفين أصحاب الآراء.
إن الشيوعية هي النهاية الطبيعية لحضارة خالية من الروح، والشيوعية بما فيها من حلم مادي يشغل مكان العقيدة في نفس الغرب، وبما فيها من ألوان العدالة الاقتصادية بالقياس إلى الرأسمالية السائدة في العالم الغربي، تصلح أن تلبي حاجات العالم الغربي في هذه الفترة القريبة من حياته. وإذن؛ فلا بد للبشرية من فكرة أكبر من فكرة الشيوعية، وأهداف أبعد من أهداف الشيوعية؛ لأن الحياة متجددة ومتطورة، ولن تقف عند الخطوة التي يريد الشيوعيون لها أن تقف عندها. فالمستقبل للإسلام بحكم أنه أكثر النظم التي عرفتها البشرية قبولًا لنمو الحياة ورقيها، وبحكم أن الفكرة التي ينبثق منها، هي أحد الأفكار التي عرفتها البشرية حيوية، وأكثرها شمولًا لحاجات البشرية المتجددة.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان